الجمعة، 26 ديسمبر 2014

الحرف العربي روعة الشكل وسحر البيان


يمثِّل الحرف العربي أوَّل صور الإبداعية في لغتنا العربية بما يحمله من عجائب وغرائب، إنْ في نطق الحروف، أو تأليف الكلمات، أو معاني التراكيب، أو الكتابة، أو فن الرسم والتشكيل.
لكلمة « حرف» في اللغة العربية أكثر من معنى ويكفيك أن تطَّلع على معجم لسان العرب لابن منظور لتكتشف المعاني المتعدِّدة لهذه الكلمة، على المستوى اللغوي العام أو الاصطلاحي الخاصّ.
...
ولكل حرف في اللغة العربية نطق خاصّ به يميِّزه من غيره، ولهذه الملامح التمييزية دور واضح في التفرقة بين معاني الكلمات؛ إنك لتجد أن استبدال حرف بحرف في الكلمة يغير المعنى تماماً، كما في (قلب – كلب)، (قريب – غريب)، (نديم، نسيم)، (بعيد – بعير).
أما بناء الكلمات العربية من الحروف ففيه من الإبداعية والغنى ما يؤكِّد -بوضوح- عبقرية اللغة العربية، فقد ذُكِر أن «عدد أبنية كلام العرب المستعمَل والمهمَل على مراتبها الأربع، من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرار، اثنا عشر ألف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة آلاف وأربعمائة واثنا عشر» أي 12305412. (المزهر للسيوطي 1/ 74).
ويلعب الحرف العربي دوراً مهمّاً فيما يسمّى حساب الجُمّـل حيث يكون لكل حرف من حروف الأبجدية العربية رقم مُعَيَّن يدلّ عليه، وهذا شائع في كتابة التواريخ، وعند التعمية والإلغاز نثراً وشعراً.
ومن يطَّلع على تاريخ الخطّ العربي يجد أن كتابة الحرف العربي قد مرَّت بمراحل عديدة عبر العصور المتتالية، فتنوّعت أشكاله وتعدّدت تسمياته، وأظهر الخطّاطون بدائعه في عدّة أساليب جمالية وقاعدية كالخطّ الكوفي، والديواني، والفارسي، والطومار، والثلث، والثلثين، والنصف، والرقعة.
وخلال العصور الوسطى تمكَّن الحرف العربي من التغلغل إلى لغات عديدة في العالم؛ حيث كُتِبت هذه اللغات بحروف عربية قبل أن تتحوَّل إلى حروف لغة أخرى، حدث هذا في أغلب اللغات الإفريقية، واللغة الألبانية،واللغة المالوية في ماليزيا، واللغة التركية. ودخلت كلمات عربي إلى عدة لغات كالفارسية والإسبانية والإنجليزية.
ويُعَدّ الحرف العربي من أهمّ عناصر الفنّ التشكيلي، وقد كثرت محاولات توظيفه لمنح مزيد من الجمال والروعة للّوحة الفنية، ومع بداية العصر الحديث ظهر ما يسمّى بالاتّجاه الحروفي في التصوير والتشكيل في أعمال فنية كثيرة، فاستخدمت الحروف العربية كعنصر تشكيلي جديد ومميَّز، وأضحت مجالاً خصباً يستلهم منه الفنان إبداعاته وابتكاراته، ويضيف به لمسات فنية وجمالية راقية وجذّابة.
ومن أكبر التحديات التي تواجه الحرف العربي في عصرنا الحاضر ما يواجهه من صعوبات في مجال التطبيقات الحاسوبية، وما تفرضه حوسبة اللغة العربية من إمكانات تتطلَّب إيجاد حلول عملية تسهم في ترقية استخدام اللغة العربية وتقنياتها.
وتبقى العناية باللغة العربية والحرص على النهوض بها حاضراً ومستقبلاً هَمًّا يحمله المحبّون المخلصون لها، وفاءً بحقّها والتزاماً بالتمكين لها في شتى مجالات الحياة.
افتتاحية مجلة الدوحة الثقافية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق